.

jeudi 4 juillet 2013

ريبورتاج : الدّعارة في تونس .. جاعَت الحرّة فأكلت بثدييها! أكثر تفاصيل عبر هذا الرابط...

رائحة عطرها الفرنسي تزكم الأنوف على بعد أمتار .. ثيابها جذّابة زادها تناسق اللّونين الأسود والأحمر اثارة واغواء .. مشيتُها مُغرية لا تخلو من تقليد متصنّع لمشية عارضات الأزياء

لم يَطل انتظارها كثيرا في الشارع الرّئيسي لضاحية “البُحيرة” الراقية حتّى توقّفت امامها سيّارة فاخرة يقودها كهل ضخم الجثّة تشي ملامحه بانتمائه الى قطر مغاربي مُجاور. تناقش الاثنان سويّة لبرهة من الزمن لتمتنع الشابّة بعد ذلك عن الصعود الى السيارة بحجّة أنّ العرض المُقدّم لها لا يرقى الى مستوى انتظاراتها :
“ما يساعدنيش هكّا .. المبلغ الذّي تقترحه هزيل جدّا .. أنا لا آبهُ للمكان الذّي سنسهر فيه أو المشروبات التي سنحتسيها أو السيّارة التي ستنقلنا الى النّزل .. مثل هذه الأشياء سئمتها، كلّ ما يعنيني الآن هو ما سيدخل جيبي من مال علما أنّني لا أصعد الى السيارة الّا بعد أن أقبض .. يظهرلي كلامي واضح.” 
لمياء (اسم مستعار و نحتفظ بهويّتها الأصلية)، 28 سنة، هي نموذج مصغّر لمئات الشابّات والنساء التونسيّات اللّواتي ارتمين بين أحضان “حرفاء المتعة الجنسية” ليس بحثا عن المتعة بل ابتغاء للكسب السّهل والسّريع وتحصيل أكبر قدر ممكن من المال بعيدا عن معادلة الحلال والحرام. هنّ عاهرات في نظر المجتمع، ضحايا في نظر الباحثين والأخصّائيين الاجتماعيين .. وبين هذا الشقّ وذاك هنّ يمثّلن خصما لدودا ومنافسا شرسا لبائعات الهوى اللّواتي يشتغلن بشكل قانوني ومنظّم في بيوت الدعارة الرّسميةالمتواجدة في أغلب ولايات الجمهورية منذ عقود من الزّمن.
جاعت الحرّة ف…
“تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها” .. لم يعُد هذا المثل المأثور منسجما مع واقع شريحة من بنات تونس، بل لعلّه لم يعُد مطروحا أصلا في بعض الاوساط الشعبية الفقيرة والمنسيّة حيث تجوع الحرّة فتضطرّها الحياة القاسية والظروف الاجتماعية الصعبة الى السقوط في المحظور والمتاجرة بجسدها حتّى تسدّ رمقها وتسكت جوع أبنائها مادامت غير قادرة على توفير ما تحتاجه من مال عبر الطرق “الحلال” المتعارف عليها اجتماعيا.
واذا كان المجتمع التونسي، أو الشقّ المحافظ منه، يُجرّم وفق منظور ديني وأخلاقي، بحت مبدأ الجنس خارج الأطُر القانونية للزواج فانّه عادة ما يضطرّ للصّمت حيال بعض الحالات التّي تستبطن قصصا اجتماعية مؤسفة تقطر فقرا وحرمانا.
مريم، 32 سنة، هي أرملة توفّي زوجها منذ سبع سنوات تاركا لها طفلتين احداهما تحمل اعاقة عضوية منذ الولادة. ولأنّ شظف العيش لم يترك لها خيارا آخر فقد اضطرّت مريم للخروج للعمل بعد نحو ثلاثة أشهر من وفاة زوجها حتّى يتسنّى لها سداد نفقة الكراء و اطعام بنتيها اللتين بدَتَا غير مُرحّب بهما في منزل عائلة والديهما. ولم تكد تمضي سنتان حتّى وجدت الأمّ نفسها على قارعة الطريق رفقة بنتيها بعد أن عجزت عن سداد نفقات الكراء ما اضطرّها الى الاحتماء بمنزل صديقتها المطلّقة لينطلق بذلك الجزء الثاني من مأساتها.
تقول مريم متذكّرة فصلا من فصول مأساتها :
” بعد أن طردني المؤجّر لجأت الى منزل عائلة زوجي المرحوم طمعا في ايوائي الاّ انّ حماتي طردتني بدعوى أنّني نذير شؤم على العائلة و أنّني كنت سببا في وفاة زوجي. باختصار شديد، ضاقت بي الدنيا فلم أجد مفرّا من طَرق باب صديقتي التي فتحت لي منزلها و طفقت تنفق عليّ وعلى بنتيّ طيلة أشهر متتالية ثمّ وجدتُني شيئا فشيئا أسير على منوالها لجمع المال لأسقط في نهاية المطاف في فخّ المتاجرة بجسدي لأنّ جراية المصانع التي لا تتجاوز المائتين وخمسين دينارا لم تكن كافية للخروج من عنق الزجاجة .. ومنذ ذلك الحين وأنا أخرج صباحا من المنزل لأعود مساء مرهقة ومنهكة القوى وكلّي احتقار لنفسي.”
حكاية مريم ليست تجربة معزولة، فهي تكاد تتحوّل الى ظاهرة مربكة تنتشر في ولايات العاصمة وبعض مناطق الساحل والشمال الغربي بشكل ملفت للانتباه حيث تكثر تجارة الجنس وتزدهر شبكات الدعارة المنظّمة مستفيدة من الوضعيات الاجتماعية الهشّة للفتيات والنساء اللواتي يتقاطرن يوميّا على المناطق السياحية والصناعية والفضاءات التجارية بحثا عن مورد رزق يسدّ رمقهنّ مهما كان أجره.
…منافسة غير شريفة
في غياب أرقام ودراسات اجتماعية دقيقة توثّق التطوّر التصاعدي والانتشار المتنامي لنشاط الدعارة غير المقنّنة باتت محاضر الأمن وسجلاّت المحاكم المصدر الأساسي وربّما الوحيد الذي يوفّر لمحة عن واقع تجارة الجنس غير المنظّمة على اعتبار أنّ هنالك مسالك أخرى مقنّنة توفّر المتعة الجنسية لطالبيها في فضاءات معترف بها رسميا.
تقول الأستاذة لمياء بن حمودة الباحثة في علم الاجتماع :
“استنادا الى المعطيات التي تمكّنتُ من جمعها فانّ مناخ الحريّة بالاضافة الى حالة الانفلات الأمني والاجتماعي السائدة منذ انهيار النظام السابق ساهمَا في انتعاش تجارة الجنس وتنامي انتشار شبكات الدعارة المنظّمة ما أسفر عن ارتفاع نسق الاستقطاب صلب الاوساط الاجتماعية الهشّة على غرار شريحة عاملات المصانع وبعض الطالبات القاطنات في المبيتات الجامعية”.
ما خلصت اليه الأستاذة بن حمودة من نتائج يَلُوحُ منسجما مع شهادات بعض المصادر الأمنية والقضائية التي أكّدت بأنّ :
“شبكة حُرفاء دُور البغاء والدعارة توسّعت كثيرا لتشمل جنسيات مختلفة أغلبها من ليبيا ودول الخليج العربي. وقد تمكّنت الجهات الأمنية على مدى الأشهر المنقضية من تفكيك عديد الخلايا الناشطة في المجال في بعض الأحياء الراقية على غرار النصر والمنازه والمنارات بالعاصمة وبعض المناطق السياحية الأخرى في الساحل والحمامات وصفاقس”.
وتؤكّد مصادرنا ذاتها بأنّ القاسم المشترك بين أغلب المنتسبات الى شبكات تجارة الجنس اللواتي تمّ ضبطهنّ هو الوضع الاجتماعي المتردّي والاحتياج بالاضافة الى التفكّك الأسري حيث لا تجد تلك الفتيات والنسوة من حلّ لجني المال والربح السريع سوى الارتماء في احضان سوق الدعارة سواء بشكل فرديّ أو من خلال الالتحاق بشبكات منظّمة تشغّلهنّ على مدار الساعة مقابل أجور متفاوتة ترتفع وتتراجع وفق معاهدة العرض والطّلب فضلا عن الأخذ بعين الاعتبار عامل التميّز والجاذبيّة الذي تحظى به شابّة دون أخرى.
الاجرام في خدمة الدّعارة
مظاهر الفقر والبطالة وغياب الاستقرار الاجتماعي والأمني أتاحت لشبكات الدعارة وأوكار البغاء السرّي توسيع مجال نشاطها والانفتاح على جنسيات أخرى ليتمّ تجنيد افريقيات ولاجئات عربيات واضافتهنّ الى قائمة “السّلع” المعروضة مع مراعاة فوارق الأسعار.
“انّنا مضطرّات للقيام بذلك – تقول تيريزا ذات الجنسية الماليّة – فقد تخلّى عنّا الجميع ولم نعُد نجد ما به نسدّ رمقنا. لقد جُعنا وهذا سبب كاف للدخول الى عالم الدّعارة”.
تيريزا هي شابّة ماليّة تبلغ من العمر 23 سنة، التحقت بتونس قبل ثورة 17 ديسمبر للدراسة باحدى الجامعات الخاصّة، غير أنّ حركة التمرّد العسكريّة/الاسلامية في مالي بعثرت أوراقها حيث قُتل والدها القيادي العسكري في الجيش على أيدي مسلّحين متشدّدين ما جعلها دون سَنَد ينفق عليها الشّيء الذّي دفع بها دفعا، وفق تعبيرها، للسقوط بين مخالب شبكات الدّعارة.
وبحسب مصادرنا فانّ تلك الشبكات أصبحت تجنّد مجموعات من المنحرفين وخرّجي السجون لحماية نشاطها وتأمين أوكارها من خطر المداهمات الأمنية التي عادة ما تكون مفاجئة، بالاضافة الى التوقّي من “الغزوات” الفجائية التي أصبحت تقوم بها من فترة الى أخرى مجموعات محسوبة على التيار السلفي.
واذا كانت الدعارة نشاطا تقليديا في تونس المتّسمة منذ عقود بالانفتاح والتحرّر فانّ نموّها وانتشارها بشكل مفزع في ظلّ “تونس المحافظة” بعد الثورة هو أمر يبعث على الاستغراب ويستوجب دراسات مستفيضة لفكّ طلاسم هذه المفارقة تماما مثلما هو الحال مع الارتفاع الصّاروخي لمبيعات الجعة والخمور وحبوب الفياغرا في السوق التونسية وفق ما تثبته الأرقام الحديثة.